بقلم الصحافي والكاتب: ستيفن صهيوني
لقيت الصحفية الأمريكية من مواليد مدينة القدس حتفها على يد الجيش الاسرائيلي، يوم الأربعاء، في جنين في الضفة الغربية المحتلة في فلسطين. وعملت شيرين أبو عقله كمراسلة لقناة الجزيرة الناطقة بالعربية لمدة 25 عامًا، وبينما كانت تغطي اقتحاماً إسرائيلياً لجنين استهدفها جندي إسرائيلي وقتلها عمداً.
كما أُصيب علي الصمودي، وهو من صحيفة القدس، برصاصة في ظهره وجرح فلسطينيان آخران ونُقلا إلى المستشفى. وأفاد الصمودي وجميع الصحفيين الآخرين الحاضرين أنه لم يكن هناك مقاتلون فلسطينيون عندما فتح الجيش الإسرائيلي النار على مجموعة الصحفيين.
وقال الصمودي: “أطلقوا النار علينا فجأة دون أن يطلبوا منا المغادرة أو التوقف عن التصوير”. وأضاف: “أصابتني الرصاصة الأولى بينما أصابت الثانية شيرين … لم تكن هناك مقاومة عسكرية فلسطينية على الإطلاق في مكان الحادث”.
وقالت الصحفية المحلية، شذى حنيشة، والتي كانت تقف إلى جانب أبو عقلة: ” كنا أربعة صحفيين، وكنا جميعًا نرتدي سترات واقية، وكلنا نرتدي الخوذ” وعلى حد قولها: “لم ينفك جيش الاحتلال [الإسرائيلي] عن إطلاق النار حتى بعد سقوطها. لم يتسنى لي حتى أن أمد ذراعي لسحبها بسبب إطلاق النار. كان الجيش مصراً على إطلاق النار لغاية القتل “.
وقال مدير مكتب الجزيرة في رام الله، وليد العمري، بأن أبو عقلة كانت ترتدي سترة زرقاء واقية من الرصاص تحمل عبارة “صحافة” وخوذة، إلا أنها أصيبت في منطقة غير محمية تحت أذنها، مما يدل على أنها إصابة متعمدة. ويثبت المقطع المصور لإطلاق النار ما وصفه العمري.
وقال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم: “ومع ذلك، جميع الشهود الحاضرين في مسرح الجريمة يؤكدون أن قناص إسرائيلي ارتكب الجريمة عمداً “.
والد أبو عقلة من بيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح، وعائلتها مسيحيون فلسطينيون، من نسل أتباع المسيح. بيت لحم هي قرية مسيحية يعود تاريخها إلى أكثر من 2000 عام، وهي مهد المسيحية. وكان المسيحيون الفلسطينيون يشكلون حوالي 20٪ من سكان فلسطين عام 1948، لكنهم الآن يشكلون 2٪ فقط من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة. يحق لليهود فقط أن يكونوا مواطنين إسرائيليين، وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، فضلاً عن كونها دولة عنصرية.
تضاءل عدد المسيحيين في فلسطين على امتداد 74 عامًا من الاحتلال العسكري الغاشم. غضّ المسيحيون الأمريكيون والأوروبيون وكنائسهم الطرف عن الجرائم والفظائع التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية.
وعن أهمية جنين، كتبت أبو عقلة العام الماضي: “إنها المدينة التي يمكن أن ترفع معنوياتي وتساعدني على الارتقاء. إنها تجسد الروح الفلسطينية “.
من المحتمل أن تكون جنين شرارة البداية لحريق هائل مستعر، ينقطع منه جوف الحكومة الإسرائيلية، وترغب في اجتياحها قبل أن تمتد إلى بقية الضفة الغربية المحتلة. وهذا ما دفع الجيش الإسرائيلي لتكثيف غاراته على جنين مؤخرًا.
وأوضح جمال حويل أن “لجنين إرث مئات السنين من المقاومة التي توارثتها الأجيال من جيل إلى جيل”. وأضاف: “المقاومة في المدينة أصبحت أسلوب حياتنا وثقافتنا “، مؤكداً أن كل المحاولات الإسرائيلية والأمريكية لتغيير هوية المدينة منذ عام 2002 باءت بالفشل.
وقال حويل إن “الهجمات اليومية لقوات الاحتلال ومحاولاتها لتحويل الضفة الغربية إلى مستوطنة هي السبب الرئيسي للمقاومة في جنين”، مشيرًا إلى أن إسرائيل تخشى أن تصبح جنين مصدر إلهام لخلايا المقاومة في مدن أخرى في الضفة الغربية.
وكتب ستانلي ل. كوهين وهو محامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان قام بأعمال واسعة النطاق في الشرق الأوسط: “منذ القدم، كان محسومًا أن المقاومة وحتى الكفاح المسلح ضد أي قوة احتلال استعمارية ليس معترف بها بموجب القانون الدولي فحسب بل مُؤيَّدة على وجه الخصوص. ووفقًا للقانون الإنساني الدولي، تم تبني حروب التحرير الوطنية صراحة، من خلال اعتماد البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949، كحق مصون وأساسي للشعوب المُحتَلّة في كل مكان “.
أبو عقلة هي آخر أميركي يقتل في أعمال العنف والعدوان الإسرائيلي. فقد دهست جرافة إسرائيلية في 16 مارس 2003، راشيل كوري ابنة ال 23 عاماً، وهي ناشطة سلام أمريكية من أولمبيا بواشنطن، أثناء قيامها بعمل سلمي مباشر لحماية منزل عائلة فلسطينية من الهدم.
لم تتخذ حكومة الولايات المتحدة أي موقفٍ ضد إسرائيل بشأن مقتل أي مواطن أمريكي. فمثل الكنائس الأمريكية، يغض البيت الأبيض الطرف عن الجرائم والفظائع التي يرتكبها حليفهم المخلص. اذ توصف إسرائيل بشكل روتيني بأنها “الديمقراطية الوحيدة الموجودة في الشرق الأوسط”. وعلى كل الأحوال، فإن إبقاء خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال العسكري الوحشي على امتداد 74 عامًا لا يمكن وصفه بالديمقراطية.
فإدارة الرئيس جو بايدن مشغولة بمخاوف أخرى، ولم تلمّح إلى أي مسعى أميركي من أجل السلام في الشرق الأوسط الذي يعيش في حالة من الفوضى والاضطراب نظراً لأن الشعب الفلسطيني ليس حراً. الحل الوحيد للسلام والاستقرار للإسرائيليين والفلسطينيين هو الاعتراف بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وتحريره في أرضه. وحتى ذلك الحين، ستستمر مقاومة الاحتلال في النمو وهو ردٌ شرعيٌ مبرر.
أهدي هذا المقال لذكرى شيرين أبو عقله وجميع الصحفيين الآخرين الذين قضوا أثناء نقلهم للحقيقة.
بقلم الصحفي والكاتب : ستيفن صهيوني